قضية اسمها اليمن

عزوف اليمنيين عن الزيارة صيفاً لا يعني تكيفاً مع بلد الدراسة

 

يمنات – متابعات
اثر تلقي جساس (33 سنة) مكالمة هاتفية من والدته تخبره فيها بأنها مريضة وتخشى أن تموت قبل أن تراه اضطر أن يترك باريس هذا الصيف ليعود إلى صنعاء لزيارة الأهل. ولدى وصوله اكتشف أن والدته ليست مريضة وإنما ادعت المرض لتحظى برؤيته بعدما بقي ثلاث سنوات غائباً عن الديار.

والأصل بالنسبة إلى كثير من الطلاب اليمنيين المبتعثين عدم وجود ما يحفز على قضاء الصيف في الوطن، سواء لجهة الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي يمر بها اليمن قياساً الى بلد الدراسة، أم لجهة ظروفهم المادية التي تعد الأسوأ وفق ما ذكر جساس وآخرون.


ودرج بعض الطلاب الدارسين في الخارج على انتهاز إجازة الصيف لتدبير عمل يعينهم في سنتهم الدراسية، خصوصاً في ظل عدم انتظام المنحة المالية ناهيك بعدم كفايتها أصلاً قياساً بغلاء المعيشة في بعض البلدان ومقارنة بما يحصل عليه زملاؤهم القادمون من بلدان أخرى.


وذكر عبده النويرة وهو أحد الدارسين في مصر أن بعض الطلاب اليمنيين يسعون خلال الصيف إلى تدبير أي عمل خصوصاً في المدن السياحية على رغم صعوبة إيجاد فرص في مصر. وقال إن قدومه إلى اليمن غالباً ما لا يكون نتاج رغبة داخلية بل لظروف أسرية.


وبات معروفاً أن بعض الطلاب اليمنيين الدارسين في الخارج يتعمدون إطالة فترة دراستهم لتصل أحياناً إلى إضعاف المدة المفترضة أو المقررة، وذلك بدافع عدم الرغبة في العودة إلى البلاد. وإضافة إلى هذه الظاهرة تواجه السلطات اليمنية مشكلة تسرب كثير من طلاب الدراسات العليا المبتعثين وتركهم الدراسة إلى سوق العمل في بلدان أجنبية أو عربية. وقال جساس أنه سينتهز فرصة زيارته صنعاء لينهي وضعه الوظيفي لدى الجامعة التي يفترض أن يعود للعمل فيها مدرساً لدى تخرجه، مرجعاً السبب إلى حصوله على فرصة عمل لدى سفارة دولة عربية في باريس.


وفي مختلف الحالات، لا يبدو أن تغيراً جوهرياً يطرأ على سلوك الطلاب الدارسين أو المقيمين خارج البلاد. وبحسب الاختصاصية الاجتماعية نجوى حسان تعد الجماعات اليمنية المهاجرة، ومن ضمنها فئة الطلاب، من أقل الجماعات العربية تكيفاً في المجتمعات التي تهاجر إليها.


وتؤكد نعمان أن الأمر لا يقتصر على الأميين وذوي التعليم المحدود أو أولئك الذين يقيمون في بلدان أجنبية منذ عشرات السنين على غرار الجالية اليمنية في بريطانيا أو أميركا والتي لا تزال منغلقة على نفسها، بل ويشمل أيضاً الأجيال الجديدة التي ولدت في هذه البلدان والطلاب الدارسين فيها.


وتوقف الباحثون طويلاً عند ظاهرة أنور العولقي المولود في نيومكسيكو الأميركية والذي أصبح من قيادات تنظيم «القاعدة»، باعتباره أحد النماذج الواضحة لطبيعة الثقافة المجتمعية المليئة بالشحن المغلوط حول نمط الحياة التي ينبغي أن يعيشها المسلمون في الغرب. وتحرص بعض الأسر على تزويج أبنائها الدارسين في الخارج حرصاً منها على عدم وقوعهم في «المحظور».


وذكرت نعمان أن صديقة لها تعمل معيدة في جامعة صنعاء عادت أخيراً من بلد أوروبي أكثر محافظة مما كانت عليه في السابق لدرجة أنها «ترفض مصافحة زملائها الذكور». لكن نعمان لا تستبعد وجود تكلف مفتعل بهدف تبديد الصورة المغلوطة عند البعض عن الفتاة الدارسة في الغرب.


ويؤكد جساس الذي تزوج زميلة له تنتمي إلى دولة خليجية أن بعض الطالبات اليمنيات غير المتزوجات أو اللائي يشعرن بأن العمر يتقدم بهن يكن أقل تكيفاً وأكثر ازدواجية. ومعلوم أن بعض الأميركيين والبريطانيين من أصول يمنية يعمدون إلى تزويج أبنائهم أو بناتهم من أقارب لهم في اليمن وتلك ثقافة سائدة نادراً ما يكسرها طالب يدرس في الخارج.


ويتفق كل من نعمان وجساس على الدور الأساسي الذي تلعبه البيئة الاجتماعية والمدرسية في مرحلة ما قبل الجامعة في تكوين شخصية الطالب عموماً والمبتعث خصوصاً، مع التشديد على أن التكيف والازدواجية يتحددان بحسب التنشئة التي يتلقاها الطالب أو الطالبة قبل مغادرته البلاد.

المصدر: دار الحياة – علي سالم

زر الذهاب إلى الأعلى